التعتيمُ يفاقم الأزمة.. مخاوف حقوقية من تزايد العنف ضد النساء في كردستان

التعتيمُ يفاقم الأزمة.. مخاوف حقوقية من تزايد العنف ضد النساء في كردستان
مقابر في كردستان - أرشيف

أدى استمرار الامتناع عن نشر الإحصاءات الرسمية المتعلقة بالعنف ضد النساء، منذ أكثر من أربع سنوات، إلى تراجع قدرة المجتمع على فهم الحجم الحقيقي للكارثة التي تتوسع كل عام بلا توقف. 

ومع حلول عام 2025، يتحول هذا التعتيم إلى شاهد حقيقي على عمق الأزمة في إقليم كردستان، حيث لم تعُد الظاهرة مجرد أرقام، بل تحولت إلى مشهد يومي يطارد النساء في البيت والشارع ومواقع العمل، ويُظهر حجم الانهيار في منظومة الحماية الاجتماعية والقانونية، بحسب ما ذكرت وكالة أنباء المرأة، الخميس.

وأكَّدَت الوكالة أن قرار وزارة العدل في إقليم كردستان الصادر في 24 مارس الماضي، والقاضي بمنع نشر تقارير جرائم القتل في وسائل الإعلام، لم يكن مجرد إجراء إداري، بل خطوة تمثّل محاولة واضحة لإبقاء المجتمع في حالة عمى جماعي، بعيداً عن الحقائق التي كان يجب كشفها، ومناقشتها، ثم مواجهتها بجدّية.

أزمة اجتماعية متجذّرة

أدّى منع الوصول إلى الإحصاءات، ابتداءً من عام 2022 وحتى اليوم، إلى خنق النقاش العام حول واحدة من أخطر القضايا الاجتماعية في الإقليم: قتل النساء بذريعة ”الشرف“ أو بدوافع السيطرة الذكورية

ويمثّل هذا الحجب، بحسب خبراء اجتماعيين وحقوقيين، تراجعاً غير مسبوق في مستوى الشفافية، ويكشف عن عقلية رسمية تفضّل فنّ إخفاء الجريمة على حلّها.

يحمل هذا الملف تجذّراً تاريخياً يرتبط بسلطة العائلة، والثقافة الذكورية، والفراغ القانوني، وتراخي المؤسسات التي يُفترض أن توفر الردع والمحاسبة. 

وفي غياب هذه الحماية، تتحول المرأة إلى هدف سهل، تُرتكب الجرائم بحقها غالباً على يد الأب أو الأخ أو الزوج، بينما تُستخدم مفاهيم الشرف كغطاء لجرائم تعود دوافعها الحقيقية إلى خيارات اجتماعية أو عاطفية أو شخصية اتخذتها المرأة.

رصد عامٍ كامل

أبرزت الإحصاءات التي جمعتها الوكالة للفترة الممتدة بين نوفمبر 2024 ونوفمبر 2025 مقتل 42 امرأة، ووفاة 19 أخرى في ظروف غامضة، إلى جانب خمس محاولات قتل وحالة انتحار واحدة بالإكراه.

وتكشف هذه الوقائع، المنتشرة في كركوك، والسليمانية، وأربيل، ودهوك، وحلبجة، ورابرين، وسوران، ورانية وغيرها، أن العنف لم يعد حادثاً فردياً، بل سلسلة منتظمة من الجرائم التي تتكرر بالأسلوب نفسه والذريعة نفسها والنتيجة نفسها: امرأة تُقتل، وجناة يختفون أو يستسلمون لاحقاً، ونظام قانوني عاجز أو متواطئ.

وامتدت حوادث القتل لتشمل فتيات في سن 15 و16 عاماً، نساء في منتصف العمر، وأخريات وجدن مقتولات برصاص مباشر، أو غرقاً، أو حرقاً، أو طعناً. 

وتفاوتت الدوافع بين ما يسمى "شرف العائلة"، وخلافات أسرية، ورفض زواج، وقرارات شخصية تتعلق بالاستقلال أو الدراسة أو الاختيارات العاطفية، بينما بقي القاسم المشترك هو هشاشة الحماية وانعدام الردع.

وأظهرت وقائع الأشهر الماضية تحديداً مستوى صادماً من الوحشية، تمثّل في قتل ثلاث نساء من العائلة نفسها في يوم واحد، أو إطلاق 11 رصاصة على فتاة مراهقة، أو قتل زوج لزوجته ثم إلقاء جثتها في منطقة نائية، وصولاً إلى وقائع انتحار بالإكراه، وحوادث غامضة اكتفت الشرطة بتسجيلها دون نتائج تحقيق واضحة.

الإفلات من العقاب

أدّى هذا التعتيم، وفق مراقبين، إلى خلق بيئة مثالية لتكاثر الجناة، إذ يدرك كثير منهم أن النظام الرسمي لا ينشر، ولا يواجه، ولا يفضح، ولا يقدّم خطاباً عاماً يحمي النساء. 

ولا يظهر في الأفق أي مؤشر على أن منع النشر ساهم في خفض الجرائم، بل على العكس: ارتفعت أعداد الضحايا وتوسعت الجغرافيا التي تظهر فيها الجرائم.

لا تتعلق القضية بمجرد جرائم فردية، بل بسياق اجتماعي كامل يتداعى تدريجياً: قوانين لا تُطبق، مؤسسات تتحرك ببطء، مجتمع يعيش إرثاً من الذكورية، وسلطات تعتبر أن نشر الحقيقة أخطر من الجريمة نفسها.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية